30 - 06 - 2024

إبداعات | طيش .. قصة قصيرة يكتبها: محمد فيض خالد

إبداعات | طيش .. قصة قصيرة يكتبها: محمد فيض خالد

هو سليلُ عائلة عَريضة الَحسب مَوفورة الجَاه ، تَمتدُ جذورها في تَاريخٍ حَافلٍ، ليسَ في القريةِ وحدها بل على امتدادِ الزِّمامِ، يتَباهى أفرادها أن جَدهم الأكبر "الحاج خضر مفتاح" كان صَديقا مُقرّبا لسكرتير الملك ، ووكيلا لأعماله في الوجه القبلي، يشتري باسمِه حَدائق الفاكهة في المنيا والصَّعيد ، قيِل زارهم ذاتَ مَرةٍ الباشا ، فكانَ يَوما مَشهودا ، من بَعدهِ تسيَّدوا فأصبحوا زعماء الناحية، عَلا نجمهم ، وذاقوا حَلاوة الثَّراء، تَرامت أفدنتهم تَحتَ عينِ الشمس بلا حِساب، واختلطت دماء أبنائهم في أنسَابٍ أعرقِ الُأسر من السادةِ والأشراف، فاجتمعَ لهم المال والعزوة ، حافظوا على مكانتهم فلم تهتز عقودا.

اُغرمَ قلبه بفتاةٍ لأُسرة مُعدمة ، كاَنت بارعة الحُسن ، مكتملة الإغواء ، عَبثت بهِ مُنذ لقائهما الأول ، تلاعبت بَعقلهِ فاستطاعت جّره إليها حتى اُسقط في حَبائلها ، ليصبح من بعدها أسير جمالها، مُبكِّرا أحسّت الفتاة في العاشقِ ضَعفا فلم تُفوّت الفرصة وأجهزت عليه ، لم يتردّد في خِطبتها ، خَاضَ مقاومة عائلية عنيفة ، فأمثالها لا تليقُ بأبناءِ الُأسرِ الكريمة ، استمات في طلبه حتى أتم الارتباط ،ومن ساعتها أصبحت "عزيزة " حَظية الجاه والمال ، وتحول أهلها بقدرة قادر أصهارا لأسياد الزمام.

مُذ وطأت أقدامها بيته فرضت سلطانها عليه ، كما بسطت من قبل على قلبهِ جناح فتنتها، رويدا روضت رجولته ، وكسرت أنفته ، فانساقَ لرغباتها تبَعا لا يَلوي على شيٍء ، يأتمر بأمرهافلا يعصي لها أمرا، لا يعرف فيها غير اللذة والتشهي ، تراه مسلوب الإرادة وهو يُطالِعُ جسدها المُسجّى فوق الفراشِ كقطعةِ المَرمر المصقول ، يَتمعّن مفاتنه ويَتحسّس أعضاءه ، وقد تَحلّبَ ريقه ، وارتجفت فرائصه، يَهمسُ في أذنيها بأعذبِ كلماتِ الحبّ والغزل ، قبل أن يغيب مأخوذا في قبلٍة طويلة ، يُطوّف يجني فيها من بساتين روعتها ، تصده حِينا ، وحينا تُغرقه في بحارِ شهدها حتى يسكر.

لم يستنكف عن أن يجمع في يدها مقاليد الأشياء ، تَتصرّفُ في كل كبيرٍ وصغير من شؤون البيت ، أغراها الأمر لأن تجد مكانا بين رجالِ العائلة تبت مثلهم برأي.

استهجن الجميع جرأتها، وكرهوا في ابنهم دعته وخضوعه ، لكنَّه لم يعبأ لتوبيخهم ولم يلتفت ، فَتذرّع بغيرتهم منها وحسدهم له ، لم تُقِّدر تفَانيه في إرضائها ، ولم تكافئ العشق الذي سلبه كُلّ ميزة ، وتركه شَبحا لا يقدر على شيءٍ ، داومت على إهانتِه ؛ ليَعجز في الأخيرِ ويستسلم للأمرِ الواقع ، لم تعد فتاته التي عَرفَ ، حتَّى جسدها حرَّمته عليه ، اللهُّم إلاّ لمِاما لتبتزه حِين تشاء ، اكتفى الرجل بمحبةِ أبنائه يلتفون من حَولهِ يواسونه ، ويعنفون سطوة أمهم واستبدادها ، لم تكترث لكل هذا ، تُبرِّر تَصرفاتها المنفلتة، بأنَّ زوجها قد غَابت شمس شبابه بعدما داهمه العَجز ، واستوطنت جسده العِلل ، ومن الآن لن يستطيع أحد مَنعها أن تستمتع بحياتها ، بالغت في زينتها ، واندفعت كفتاةٍ في العشرين ، تسحرها كلمات الغزل صريحة من أفواهِ الشَّباب ، وترضيها نظرات عيونهم الجائعة تلتهمها ، اعتادت الخروج من البيتِ في أوقاتٍ مَتأخرة ، تناثرت الشائعات من حولها ، وأذاعَ المُغرضون أنَّهم رأوها بصحبِةِ شابٍ يتسكعان في أحدِ الشوارع.

غَالبَ صاحبنا لوعة مكتومة  ، ومن حَولهِ أبنائه لا تكف توسلاتهم ؛ كي ترتد عن عبثها ،وتَصون ما تَبقّى من كَرامتهم.
----------------------------
بقلم: محمد فيض خالد






اعلان